احداث حقيقيه وغمضه




كنت راجع البيت متأخر بالليل، الساعة قربت على 12. الشوارع شبه فاضية، إلا من صوت كلاب بتنبح من بعيد وضوء أعمدة متقطعة. الجو كان تقيل بشكل غريب، وكأن في حاجة بتراقبني من بعيد.



فجأة ست كبيرة وقفت قدامي. لابسة عباية سودا من فوق لتحت، ووشها باين عليه التعب والحزن. مدتلي ورقة وقالت بصوت متقطع:
ـ لو سمحت يا ابني... ممكن توريني العنوان ده؟

بصيت في الورقة، العنوان بعيد جدًا عن المكان اللي إحنا فيه. قلتلها باستغراب:
ـ إزاي وصلتي هنا؟! ده بعيد أوي.

تنهدت وقالت:
ـ أنا مش من هنا. بنتي تعبانة ومحجوزة في المستشفى، وسواق التاكسي نزّلني غلط... وضحك عليا. ومش لاقية الطريق.

الست شكلها كان مكسور وصعبان عليا جدًا. سألتها:
ـ طيب جوز بنتك ليه مجاش ياخدك من الموقف؟
وشها اتقلب وعيونها دمعت:
ـ منه لله... هو السبب في تعبها. رماها في المستشفى وسابها.

وقتها حسيت بخنقة. ماقدرتش أسيبها. قولتلها:
ـ متقلقيش يا حجة، أنا هوصلك لحد بنتك.

ركبنا تاكسي، وهي طول الطريق تدعيلي:
ـ ربنا يكرمك يا ابني... اسمك إيه؟
ـ مصطفى.
ـ ربنا يوقفلك ولاد الحلال يا مصطفى... زي ما وقفت جنبي.

وصلنا المستشفى الحكومي. دفعت للأجرة ورفضت آخذ منها حاجة. دخلنا وسألت ممرضة عن قسم العظام، قالت في الدور التالت.

طلعنا السلم. الممر طويل وضلمة غريبة متعلقة فيه رغم إن النور شغال. أول ما دخلنا عنبر الستات، حسيت بريحة غريبة... زي ريحة عطن ورطوبة.

الست بدأت تبص في الأوض. تفتح باب وتقول: "لأ مش هنا." تفتح التاني: "برضه مش هنا." كل ما تعدي أوضة، ملامحها تبان عليها القلق أكتر.

لحد ما وصلنا آخر أوضة في الممر.

فتحت الباب... وفجأة وقفت مكانها ساكتة، عينيها اتسعت، وشها بقى شاحب أكتر من الأول، وبعدين شهقت.

قلت بخوف:
ـ مالك يا حجة؟!
بصتلي وقالت بصوت بيرتعش:
ـ في حاجة مش طبيعية هنا.

دخلت وراها... لقيت بنت نايمة على السرير. نفس اللي وصفتها بالظبط: ملامحها، الكسر في إيدها، الضمادات. بس... وشها باهت بشكل مرعب، كأنه وش جثة بقالها أيام!

الست صرخت:
ـ دي مش بنتي! دي مش بنتي!

دخلت ممرضة على صوت الصرخة. سألت:
ـ إيه اللي حصل؟
الست أشارت على السرير وقالت:
ـ مين دي؟!
الممرضة ردت ببرود:
ـ دي بنت اتوفت من أسبوع... محدش جه يستلمها.

الست وقعت على الأرض تصرخ:
ـ يا رب... دي بنتي!

وأنا لسه مذهول، البنت اللي على السرير حركت راسها ببطء... وفتحت عينيها.
عينيها سودة كلها من غير بياض. بصت للست وقالت بصوت مش طبيعي:
ـ ماما... اتأخرتي ليه؟

مدت إيدها المشوهة وسحبت أمها ناحيتها. في لحظة... الاتنين اختفوا قدامي!

صرخت:
ـ ياااااه! إيه اللي بيحصل؟!

الممرضة بصتلي بابتسامة باردة وقالت:
ـ خلاص... الدور عليك يا مصطفى.

قربت مني بخطوات بطيئة. وأنا مرعوب، جريت ناحية الباب... لقيته مقفول بإحكام. حاولت أفتحه، مفيش فايدة.

رجعت أبص ورايا... العنبر كله اتغير. الأسرة بقت فاضية، لكن فوق كل سرير فيه جثة ملفوفة في كفن أبيض. وكل الجثث بدأت تتحرك في وقت واحد...



وصوت الست اللي لابسة أسود بيتردد في وداني:
ـ ربنا يوقفلك ولاد الحلال يا مصطفى.

No comments:

Post a Comment