رصد كنوز ما تحت الأرض والبحر الأثرية وجوف أهرامات الجيزة من السماء

تقنية الكشف بالضوء والمدى
تقنية الكشف بالضوء والمدى © فيسبوك (Image Processing A)

شهدت السنوات العشرون الماضية تطورا غير مسبوق في آليات اكتشاف آثار الماضي ومعالمه التاريخية، بفضل تقنية الكشف بالضوء والمدى «Light Detection And Ranging » ou LIDAR. وتعمل هذه التقنية اعتمادا على استخدام رادار الأشعة تحت الحمراء، لكن بدلا من أن يبعث الجهاز موجات من الأشعة، يتم تركيز الليزر على سطح معين، وبعد مدة زمنية قصيرة، يعرض الجهاز ما يوجد تحت الأرض. وتمكن المدة التي يقضيها تصوير الجهاز لما يوجد على عمق معين، من تحديد المسافة التي تفصله عن سطح الأرض. ولتنفيذ هذه العملية، يتم تثبيت الجهاز على طائرة بدون طيار، وتحديد الموقع الذي ستطوف حوله الطائرة، والذي يمكنه أن يمتد على مسافة مئات الكيلومترات، ثم تنطلق الرحلة لتجتاز الطائرة المسافة المحددة آلاف المرات بحثا عن مواقع أثرية، قبل أن تعود الطائرة إلى حيث أقلعت، وهي محملة بخرائط ثلاثية الأبعاد تحدد ما يوجد تحت الأرض.

منذ بدء استخدام تقنية الكشف بالضوء والمدى، تم اكتشاف العديد من الآثار، في احترام تام للبيئة وتفادي لأي من الطرق التي كانت توصف بالتدميرية، والتي تقضي بالحفر في أجزاء من المعالم الأثيرة للكشف عما تخفيه. ومن بين تلك الاكتشافات، نذكر خمسة من أهمها تلك التي تتعلق بالمواقع التالية :

غواتيمالا وحضارة المايا

لعل من الاكتشافات الأكثر شهرة باستخدام تقنية الكشف بالضوء والمدى ليدار، ذاك الذي تم عام 2018 لجزء هام من حضارة المايا القديمة التي ظلت الكثير من أسرارها غامضة نتيجة لصعوبة التنقيب داخل غابات أمريكا الوسطى الكثيفة التي تحيط بالمنطقة. فقد مكنت تقنية ليدار، علماء الآثار من قطع الغابات الغواتيمالية الكثيفة رقميا والكشف عن أكثر من 60,000 من هياكل المايا. بينما لم يكن معروفا من تلك المباني سوى ما بين 5 إلى 10 في المائة من مجموعها. كما كشفت تقنية ليدار أيضًا عن وجود هرم كبير في وسط تيكال، مدينة المايا المدمرة، والتي أصبحت تثير اهتمام العديد من السياح اليوم.

ويرى علماء الآثار أن تلك الاكتشافات رفعت حضارة المايا إلى مستوى الحضارتين المصرية والهندية، وأن هناك الكثير لنتعلمه منها. فقد أظهرت تلك الاكتشافات أن أسلوب حياة المايا كان معقدا ومتطورا، وقدرتهم  على إقامة  طرق سريعة مرتفعة وواسعة، واعتمادهم أسلوب تقويم متطور ودقيق في الزراعة وفي هندستهم المعمارية الرائعة التي نجت من الكوارث الطبيعية والحروب. كما اكتشفوا أن المناطق المحيطة بالموقع، كانت بدورها مأهولة بالسكان، مما مكن من تطوير الزراعة عبر استخدام بعض الآليات ومد شبكة معقدة من القنوات وغيرها.

منطقة سكنية في فلوريدا

وبفضل تلك التقنية أيضا، اكتشف علماء الآثار في جزيرة رالي في فلوريدا، أواخر العام الماضي، 37 منطقة سكنية خاصة بالسكان الأصليين لأمريكا، تمتد في منطقة كثيفة الغابات. وهو ما دعم النتائج التي تم التوصل إليها عام 2010، من كون تلك المنطقة شهدت بناء حضارة إنسانية في الفترة ما بين 900 و1200 ميلادية. لكن الاكتشافات الأخيرة التي تمت عبر تقنية الكشف الضوئي بالليزر مكنت من التعرف على مبان كانت مجهولة الوجود، وعلى تفاصيل معمارية غير مسبوقة، وأن المنطقة استخدمت تقنية زرع الأحجار الكريمة وتنقيحها للاستعمال بشكل مبكر عن الكثير من الحضارات الأخرى. كما تم اكتشاف مجموعات من قذائف المحار مثل الكثبان الرملية التي يصل ارتفاعها إلى 4 أمتار.

فراغ في الهرم الأكبر

في عام 2017، تمكن فريق بحث مصرى- يابانى- فرنسى مشترك من الكشف عن وجود فراغ بطول 30 متراً داخل الهرم الأكبر الذي بُنى على هضبة الجيزة، خلال فترة حكم «خوفو»، الممتدة من 2509 إلى 2483 قبل الميلاد. وقد تم ذلك الاكتشاف بفضل التصوير الفوتوغرافي، عبر استخدام أشعة كونية معروفة باسم «الميونات»، تخترق الأجسام وتكون صورا واضحة على الأفلام.  لكن ذلك الاكتشاف لم يتح إمكانية رسم جوف الهرم عبر تقنية الأبعاد الثلاثة، إلى أن مكنت تقنية الكشف بالضوء والمدى ليدار من ذلك، إذ استخدمها علماء آثار في جامعة القاهرة قبل أن يدرسوا نتائج عملهم والأعمال السابقة، فحصلوا على صور فائقة الدقة، اكتشفوا بفضلها أن طول التجويف داخل الهرم يصل إلى 40 مترًا على الأقل، مقابل 30 مترًا في البداية.  لكن ما يزال العلماء يحاولون معرفة ما إذا كان التجويف يحوي شيئا آخر، ويضعون فرضية أنه ربما يحوي بقايا الفرعون خوفو.

مدينة كولوفون اليونانية

في عام 2013، تنقلت طائرة مجهزة بتقنية ليدار فوق الساحل الغربي لتركيا لمسح مدينة كولوفون الأيونية اليونانية، مما مكن من توثيق أعمدتها اليونانية وبقايا أخرى بالتصوير الثلاثي الأبعاد. وقد توصل الباحثون بفضل تلك التجربة إلى استنتاجين أساسيين أولهما هو أن تقنية الكشف بالضوء والمدى تعد الأمثل عندما يتم دمجها مع تقنيات أخرى، مثل التصوير الجوي والدراسات الجيوفيزيائية على سبيل المثال. والثاني هو أن استخدام هذه التقنية يمكنه أن يعمم في احترام تام للبيئة.

نوتر دام دو باري

.قبل أن تتعرض كنيسة نوتر دام دو باري إلى الحريق الذي أتى على جزء منها، كانت الأبحاث جارية لفهم كيفية بناء الكنيسة، وتضاريسها. ولحسن الحظ أن ذلك حدث قبل أن يتعرض جزء من الكنيسة للتدمير، إذ تمت الاستعانة بما تم تحضيره من الصور لإعادة بناء الأجزاء المحترقة من الكنيسة.

Comments

Popular posts from this blog

The paintings from Minecraft were first real paintings.

30+ Hilariously Relatable Illustrations About The Struggles Of Raising A Baby

iTunes Flash is Available on 3uTools Now!